مقال: ملاحظات حول جدلية المناهج



ليس هناك ما يمنع من فتح المجال أمام الجميع للمشاركة في الحديث حول تطوير المناهج الدراسية، ولكن بشرط توفر مقومات المشاركة ومن أهمها إلى جانب الثقافة العامة، ان يوفر الراغب في تقييم المناهج وتطويرها لنفسه الوقت الكافي للاطلاع على المناهج والنظر إليها بمنظار شمولي تكاملي لعناصرها المختلفة.

نعم، إذا أردنا أن ندخل قاعة النقاش حول المناهج، وأن نشترك في الحوار حول تطويرها، فلابد أن نستعد لذلك بالتحضير الجيد وان نحضر إلى طاولة الاجتماعات بروح علمية مبتعدين عن الأحكام الجاهزة المسبقة الصنع، وان نحسن الظن بكافة المشاركين، سواء المشاركون بصفتهم الرسمية، أو المشاركون بصفتهم الثقافية والاجتماعية. ولعلي هنا أورد بعض الملاحظات.

الملاحظة الأولى في قضية تطوير المناهج أن ذهن كثيرين منا يتجه نحو الكتب الدراسية ومحتوياتها على اعتبار انها هي المناهج، ولكن أهل الاختصاص يرون وهم محقون ان الكتب الدراسية هي جزء من أجزاء المناهج وخاصة في ظل الثورة العلمية في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات وتقنيات التعليم وأساليب التدريس.

الملاحظة الثانية في هذا الموضوع أن قضية تطوير المناهج قضية عالمية، وهي مطلب تقتضيه متطلبات العصر الحديث وتحدياته، وإذا كان هناك من يعتقد ان المملكة اتجهت نحو تطوير المناهج استجابة لأحداث سياسية معينة أو ضغوط خارجية فإن في هذا ظلماً لجهود وخطط بدأت منذ مدة طويلة ولاتزال مستمرة يقوم بها المختصون في وزارة التربية والتعليم والمؤسسات التعليمية الأخرى من أجل الوصول بالمناهج الدراسية بكافة عناصرها إلى المستوى المطلوب.

الملاحظة الثالثة أن قضية المناهج التعليمية إذا اتفقنا على كونها لا تقتصر على الكتب الدراسية هي ذات بعد تربوي يرتبط بشكل مباشر بالقيم التربوية، والأهداف السلوكية التي تخدمها المناهج والتي لا يمكن ان تتحقق إلا بتطوير جوانب أخرى في قضية المناهج وفي مقدمتها أساليب وطرق التدريس، وما يتبع ذلك من أساليب التقييم والاختبارات، وفي هذا الصدد يقول أحد المختصين "نحن بحاجة إلى اختبار يقود إلى التعلم، وليس إلى تعلم يقود إلى الاختبار".

الملاحظة الرابعة ان تقييم المناهج من أجل تقويمها، وتطويرها هو قضية وطنية وهذا يجعلها تخضع للمعايير العلمية وليس لأحاديث المجالس العاطفية، أو لبعض الآراء القاطعة التي تعتقد ان المناهج لدينا مناهج مثالية، ولا يجوز المساس بها، وهي ليست إلا اجتهادات بشرية يجوز النظر فيها مثلما يجوز النظر في كافة الاجتهادات البشرية الأخرى.

الملاحظة الخامسة أن مراجعة قضية التعليم بشكل عام، والمناهج بشكل خاص هو سلوك حضاري تقوم به الأمم المتحضرة من أجل التكييف السريع مع المتغيرات المتلاحقة حتى تحافظ على تقدمها، وتبقى في مقصورة قيادة قطار التنمية.

الملاحظة السادسة هي ان تطوير المناهج في كل دول العالم يتطلب مراجعة شاملة تتضمن الأخذ في الاعتبار الناحية الكمية، والمرحلة الدراسية، وعمر الطالب، وهدف كل مرحلة، والأسلوب المناسب لتدريس المادة تبعاً لأهدافها السلوكية.

هذه بعض المعايير العلمية العالمية وليست خاصة بمناهجنا، وليس لها علاقة بالخصوصية التي نلجأ إليها احياناً حين لا نرغب في اجراء دراسات التقييم، دون ان نعرف نتائج هذا التقييم.

القفز إلى النتائج ظاهرة غير علمية وغير صحية.

الملاحظة الأخيرة: اننا عندما نطرح قضية تطوير المناهج التعليمية للنقاش يتجه ذهن البعض منا إلى المواد الدينية، ويقال إن هذه المواد سوف تتعرض للحذف أو التعديل. الوثيقة الرسمية لوزارة التربية والتعليم المتمثلة في الخطة العشرية تشير إلى تطوير شامل للمناهج وهو تطوير كمي ونوعي، وقد يستدعي الاضافة أو التعديل حسب ما تنتهي إليه نتائج التقييم.

مشروع التقويم الشامل للتعليم اقترح تطوير المناهج، والحوار الوطني جعل هذا الموضوع محوراً من أهم محاوره، وتطرق إليه في توصياته كأولوية.

وفي ندوة (ماذا يريد المجتمع من التربويين وماذا يريد التربويون من المجتمع).

كان للمناهج مساحة واسعة من النقاش بمشاركة من فئات المجتمع المختلفة.

وفي الكتابات الصحفية تكاد قضية تطوير المناهج تتحول إلى مادة يومية ومعظم ما يكتب في هذا الشأن يطالب بالتطوير والتحديث، وهذه الكتابات لم تأت بعد أحداث سبتمبر، بل قبل ذلك بسنوات ويستطيع الباحث ان يرجع إلى الأرشيف والوثائق ليتأكد من هذه الحقيقة.

بعد كل ذلك هل يجوز ان نقول ان قضية تطوير المناهج تعني الخضوع لضغوط خارجية، وكيف لا نستثمر تطوير المناهج لخدمة أهدافنا ومشاريعنا وبرامجنا التنموية بدلاً من الحديث عن الآخرين، ولماذا لا نثق بالمواطنين المخلصين الذين يدينون بالإسلام، وينتمون للوطن، لماذا نحكم على جهودهم بالفشل قبل أن تبدأ، ونسيء الظن بهم ونحن لا نعرفهم معرفة قريبة؟ لماذا نتسرع في إصدار الأحكام، وإطلاق التهم؟ في موضوع يتطلب الحكمة، والحوار المتزن، والهدوء، والثقة، والرؤية المشتركة؟

إن الحوار غير الموضوعي حول تطوير المناهج هو وحده أقوى مبرر لضرورة تطويرها لأننا بحاجة إلى جيل جديد قادر على التفكير، والتحليل، واحترام آراء الآخرين، والتعامل مع الاختلاف في الرأي بطريقة موضوعية.

 المصدر: جريدة الرياض

الرابط:

https://www.alriyadh.com/17444







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق